أصدر السيد رئيس الجمهورية المرسوم عدد 1 لسنة 2021 و المؤرخ في 22 أكتوبر 2021 المتعلق بجواز التلقيح الخاص بفيروس كورونا و الذي يمنع على الأفراد الذين لم يقوموا بالتلقيح الولوج إلى الفضاءات العامة وهو يدخل تبعا لذلك في التزام الدولة تجاه مواطنيها للحفاظ على الصحة
وحيث تبع المرسوم المذكور قرار وزاري مشترك صادر عن وزيري الصحة و التكنولوجيا بتاريخ 04 نوفمبر 2021 و الذي ضبط أنموذج جواز التلقيح الخاص بالفيروس و خصائصه الفنية و شروطه و كيفية اسناده
وحيث نص القرار المذكور على أنه باستثناء اسم و لقب و تاريخ ولادة المعني بالأمر لا تكون المعطيات المضمنة بالختم الإلكتروني المرئي قابلة للقراءة من قبل الأعوان المذكورين المنصوص عليهم بالفصل 7 من المرسوم عدد 1 لسنة 2021 المشار إليه
لقد نص القرار الوزاري المذكور في فصله الخامس على أنه » تتم معالجة المعطيات المضمنة بجواز التلقيح وفقا للتشريع الجاري به العمل بحماية المعطيات الشخصية
و باعتبار أن المعطيات المضمنة بجواز التلقيح تندرج ضمن المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة والتي أفردها القانون عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بالمعطيات الشخصية بنظام خاص في القسم الثاني من الباب الخامس منه ، أصدرت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بلاغا للعموم بتاريخ 13 ديسمبر 2021 أكدت فيه على أن كل طلب من قبل هيكل عمومي أو خاص للحصول على نسخ من جواز التلقيح للمعني بالأمر سواء من الوافدين على المؤسسة أو الهيكل أو العاملين به مخالف للقانون إذ أن القرار مكن فقط الهيكل المعني من التثبت من صحة المعطيات المضمنة بالجواز عبر قارئ أو الاستظهار بالجواز صحبة بطاقة التعريف الوطنية للتأكد من صحة المعطيات دون تمكينه من الحصول على نسخة منه أو تخزين المعطيات المضمنة به بأي طريقة كانت .
وحيث أبرز الواقع و التطبيق قيام العديد من المتدخلين سواء مكتبات خاصة أو مراكز عمومية للأنترنات أو حتى شركات خاصة من تصنيع بطاقات جواز تلقيح بناء على طلب مؤسسات خاصة أو هياكل عمومية أو حتى بطلب من العني بالأمر نفسه بما يتضمنه ذلك من معالجة لمعطيات شخصية حساسة و هو ما يقتضي إبداء الملحوظات التالية
أولا : المسؤول عن معالجة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة
قبل التطرق إلى مهمة المسؤول عن المعالجة بوجه عام ، ينبغي التطرق إلى مفهوم معالجة المعطيات الشخصية و التي عرفها الفصل 6 من القانون عدد 63 لسنة 2004 بأنها جملة العملية المنجزة سواء بطريقة ألية أو يدوية من شخص طبيعي أو معنوي و التي تهدف خاصة إلى جمع معطيات شخصية أو تسجيلها أو حفظها أو تنظيمها أو تغييرها أو استغلالها
أو استعمالها أو ارسالها أو توزيعها أو نشرها أو إتلافها أو الاطلاع عليها و كذلك جميع العمليات المتعلقة باستغلال قواعد البيانات أو الفهارس أو السجلات أو البطاقات أو بالربط البيني
وأمام ما تمثله معالجة المعطيات الشخصية من خطورة بالغة على حياة الفرد و ذاته و كرامته البشرية ، جعل المشرع مهمة المسؤول عن المعالجة تخضع إلى تصريح أو ترخيص مسبق من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية و يختلف ذلك حسب نوع المعطيات كما وضع القانون بالإضافة إلى ذلك شروطا خاصة متعلقة بالمعطيات المتعلقة بالصحة إذ أوجب على المسؤول على المعالجة أن يكون متحصلا على ترخيص من الهيئة كما نص الفصل 63 من القانون على أنه لا تتم معالجة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحىة إلا من قبل أطباء أو أشخاص خاضعين بحكم مهامهم إلى السر المهني و سمح للأطباء إحالة المعطيات التي بحوزتهم إلى أشخاص أو مؤسسات تقوم بالبحث العلمي في مجال الصحة بناء على طلب صادر منها و بمقتضى تصريح من الهيئة الوطني لحماية المعطيات الشخصية
و تجدر الإشارة في هذا الإطار أن وزارة الصحة و باعتبارها المسؤولة عن المعالجة في إطار منظومة إيفاكس ، قد تحصلت في وقت سابق على ترخيص من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية
وحيث يتضح طبق ما سبقت الإشارة إليه أن قيام بعض الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين كالمكتبات الخاصة أو المراكز العمومية للأنترنات أو الشركات الخاصة بالنسبة لعمالها من تصنيع لبطاقات تحمل جواز التلقيح فيه مخالفة صريحة للقانون عدد 63 لسنة 2004 وهو ما يجعلهم تحت طائلة العقوبات الجزائية المنصوص عليها بالفصول من 86 من 103 من القانون المذكور وهي عقوبات تصل إلى السجن و هذا مرده غياب الإلمام بالقانون والسعي إلى الربح المادي و استسهال التعامل بمعطيات الغير بما فيها الحساسة منها
ثانيا : في هذا الإطار يطرح التساؤل التالي ما مصير المعطيات الشخصية المتعلقة بصحة الأفراد و التي قامت هذه الهياكل بجمعها من منظومة إيفاكس و تخزينها لديها دون الحصول على ترخيص من الهيئة التي تعتبر الهيكل الرئيسي للمراقبة
إن تخزين المعطيات الشخصية الحساسة دون الحصول على ترخص من الهيئة يجعل من الممكن القيام بإحالتها إلى بلاد اجنبية و هو ما حجره الفصل 50 من القانون عدد 63 لسنة 2004 الذي نص على أنه تحجر في كل الحالات إحالة المعطيات الشخصة أو نقلها إلى بلاد أجنبية إذا كان من شأن ذلك المساس من الأمن العام أو بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية و جعل من ترخيص الهيئة أمر ضروري في جميع الحالات قبل إحالة المعطيات إلى الخارج
و المعلوم أن المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة مصنفة من المعطيات التي تمس من الأمن القومي و المصالح الحيوية للبلاد نظرا لما تتضمنه من معلومات يمكن استغلالها من طرف دول أو شركات أجنبية مختصة في تجارة الأدوية أو غيرها
كما جعل كل من يقوم بنقل المعطيات الشخصية إلى الخارج دون الحصول على ترخيص من الهيئة معرض لعقوبة سجنية تصل إلى سنة سجن و خطية طبق صريح الفصل 50 من القانون عدد 63 لسنة 2004
و تجدر الإشارة إلى أن عملية نقل المعطيات الشخصية إلى الخارج يمكن أن تخذ عدة أشكال من بينها تحميل جواز التلقيح على منصات أجنبية مثل قوقل أو غيره و بالتالي إيواء معطيات حساسة بمواقع أجنبية وهو ما يعد خرقا للمرسوم من جهة و للقانون عدد 63 من جهة أخرى ولمنشور ئيس الحكومة عدد 24 الصادر بتاريخ 05 نوفمبر 2020 و الذي ينص في تعليماته حول سلامة مواقع الواب و الخدمات الالكترونية بوجوب إيوائها بمراكز الإيواء بالبلاد التونسية مع تجنب الإيواء الذاتي لدى الهيكل المعني
و بالتالي و طبق ما سبق شرحه ، فإن قيام الهياكل الخاصة أو العامة بمعالجة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة للافراد دون احترام الواجبات المحمولة على المسؤول على المعالجة يجعلهم عرضة لعقوبات سجنية و مالية نصت عليها الفصول من 86 إلى 103 من القانون عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 و المتعلق بحماية المعطيات الشخصية
و لا يعذر جاهل بجهله للقانون
الاستاذ مهدي اللواتي المحامي لدى الاستئناف الخبير في الامن الرقمي و حماية المعطيات الشخصية